فصل: تفسير الآيات (88- 89):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (88- 89):

{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)}
المزجاة: المدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً من أزجيته إذا دفعته وطردته، والريح تزجي السحاب. وقال حاتم الطائي:
لبيك على ملحان ضيف مدفع ** وأرملة تزجي مع الليل أرملا

{فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون}: في الكلام حذف تقديره: فذهبوا من الشام إلى مصر ودخلوها، فلما دخلوا عليه، والضمير في عليه عائد على يوسف، وكان آكد ما حدثوه فيه شكوى ما أصابهم من الجهد قبل ما وصاهم به من تحسس نبأ يوسف وأخيه. والضر: الهزال من الشدة والجوع، والبضاعة كانت زيوفاً قاله ابن عباس. وقال الحسن: قليلة. وقال ابن جبير: ناقصة. وقيل: كانت عروضاً. قيل: كانت ضوفاً وسمناً. وقيل: صنوبراً وحبة الخضراء وهي الفستق قاله: أبو صالح، وزيد بن أسلم، وقيل: سويق المقل والأقط، وقيل: قديد وحش. وقيل: حبالاً وأعدالاً وأقتاباً، ثم التمسوا منه إيفاء الكيل. وقد استدل بهذا على أن الكيل على البائع ولا دليل فيه. وتصدق علينا أي: بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة، أو زدنا على حقنا، فسموا ما هو فضل وزيادة لا تلزمه صدقة. قيل: لأن الصدقات محرمة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقيل: كانت تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم. وسئل ابن عيينة عن ذلك فقال: ألم تسمع وتصدق علينا، أراد أنها كانت حلالاً لهم. وقال الزمخشري: والظاهر أنهم تمسكنوا له وطلبوا أن يتصدق عليهم، ومن ثم رق لهم وملكته الرحمة عليهم، فلم يتمالك أن عرفهم نفسه. وقوله إنّ الله يجزي المتصدقين شاهد، لذلك لذكر الله وجزائه انتهى. وقيل: كانت الصدقة محرمة، ولكن قالوها تجوز استعطافاً منهم له في المبايعة كما تقول لمن ساومته في سلعة: هبني من ثمنها كذا، فلم يقصد أن يهبك، وإنما حسنت معه الأفعال حتى يرجع منك إلى سومك. وقال ابن جريج: إنما خصوا بقولهم: وتصدق علينا أمر أخيهم بنيامين أي: أوف لنا الكيل في المبايعة، وتصدق علينا برد أخينا على أبيه. وقال النقاش في قوله: إن الله يجزي المتصدقين، هي من المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب، وذلك أنهم كانوا يعتقدونه ملكاً كافراً على غير دينهم. ولو قالوا: إن الله يجزيك بصدقتك في الآخرة كذبوا، فقالوا له لفظاً يوهم أنهم أرادوه، وهم يصح لهم إخراجه منه بالتأويل. وروي أنهم لما قالوا له: مسنا وأهلنا الضر واستعطفوه، رق لهم ورحمهم. قال ابن إسحاق: وارفض دمعه باكياً، فشرع في كشف أمره إليهم. فيروي أنه حسر قناعة وقال لهم: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه أي: من التفريق بينهما في الصغر، وإذاية بنيامين بعد مغيب يوسف؟ وكانوا يذلونه ويشتمونه.
قال ابن عطية: ونسبهم إما إلى جهل المعصية، وإما إلى جهل السيآت وقلة الحنكة. وقال الزمخشري: أتاهم من جهة الدين وكان حليماً موفقاً، فكلمهم مستفهماً عن معرفة وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب فقال: هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون لا تعلمون قبحه، فلذلك أقدمتم عليه يعني: هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه؟ لأنّ علم القبح يدعو إلى الاستقباح، والاستقباح يجر التوبة، فكان كلامه شفقة عليهم وتنصحاً لهم في الدين، وإيثاراً لحق الله على حق نفسه في ذلك المقام الذي يتنفس فيه المكروب وينفث المصدور ويشتفي المغيظ المحنق ويدرك ثأره الموتور، فلله أخلاق الأنبياء ما أوطاها وأسمحها، ولله حصى عقولهم ما أرزنها وأرجحها انتهى! وقيل: لم يرد نفي العلم عنهم لأنهم كانوا علماء، ولكنهم لما فعلوا ما لا يقتضيه العلم، وتقدم عليه إلا جاهل سماهم جاهلين. وفي التحرير ما لخص منه وهو أن قول الجمهور: هل علمتم استفهام معناه التقريع والتوبيخ، ومراده تعظيم الواقعة أي: ما أعظم ما ارتكبتم من يوسف. كما يقال: هل تدري من عصيت؟ وقيل: هل بمعنى قد، لأنهم كانوا عالمين، وفعلتم بيوسف إفراده من أبيهم، وقولهم: بأن الذئب أكله، وإلقاؤه في الجب وبيعه بثمن بخس إن كانوا هم الذين باعوه، وقولهم: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل، والذي فعلوا بأخيه أذاهم له وجفاؤهم له، واتهامه بسرقة الصاع، وتصريحهم بأنه سرق، ولم يذكر لهم ما إذ واجه أباهم تعظيماً لقدره وتفخيماً لشأنه أن يذكره مع نفسه وأخيه. قال ابن عباس، والحسن: جاهلون صبيان. وقال مقاتل: مذنبون. وقيل: جاهلون بما يجب من بر الأب، وصلة الرحم، وترك الهوى. وقيل: جاهلون بما يؤول إليه أمر يوسف. وقيل: جاهلون بالفكر في العاقبة، وعدم النظر إلى المصلحة. وقال المفسرون: وغرض يوسف توبيخ إخوته وتأنيبهم على ما فعلوا في حق أبيهم وفي حق أخويهم، قال: والصحيح أنه قال ذلك تأنيساً لقلوبهم، وبسط عذر كأنه قال: إنما أقدمكم على ذلك الفعل القبيح جهالة الصبا أو الغرور، وكأنه لقنهم الحجة كقوله: {ما غرك بربك الكريم} وما حكاه ابن الهيصم في قصة من أنه صلبهم، والثعلبي في حكايته أنه غضب عليهم فأمر بقتلهم فبكوا وجزعوا، فرق لهم وقال: هل علمتم الآية: لا يصح البتة، وكان يوسف من أرق خلق الله وأشفقهم على الأجانب، فكيف مع إخوته ولما اعترفوا بالخطأ قال: لا تثريب عليكم الآية.

.تفسير الآيات (90- 93):

{قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)}
الإيثار: لفظ يعم جميع التفضل وأنواع العطايا. التثريب: التأنيب والعتب، وعبر بعضهم عنه بالتعبير. ومنه «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب» أي لا يعبر. وأصله من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش، ومعناه: إزالة الثرب، كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع، لأنه إذا ذهب كان ذلك غاية الهزال، فضرب مثلاً للتقريع الذي يمزق الأعراض، ويذهب بهاء الوجه.
{قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين}: لما خاطبهم بقوله: هل علمتم؟ أدركوا أنه لا يستفهم ملك لم ينشأ عندهم، ولا تتبع أحوالهم، وليس منهم فيما يظهر إلا وعنده علم بحالهم فيقال: إنه كان يكلمهم من وراء حجاب، فرفعه ووضع التاج وتبسم، وكان يضيء ما حوله من نور تبسمه أو رأوا لمعة بيضاء كالشامة في فرقه حين وضع التاج وكان مثلها لأبيه وجده وسارة، فتوسموا أنه يوسف، واستفهموه استفهام استخبار. وقيل: استفهام تقرير، لأنهم كانوا عرفوه بتلك العلامات التي سبق ذكرها.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): كيف عرفوه؟ (قلت): رأوا في روائه وشمائله حين كلمهم بذلك ما شعروا به أنه هو، مع علمهم بأن ما خاطبهم به لا يصدر إلا عن حنيف مسلم من نسل إبراهيم عليه السلام، لا عن بعض أعزاء مصر. وقرأ الجمهور: أئنك على الاستفهام، والخلاف في تحقيق الهمزتين، أو تليين الثانية وإدخال ألف في التلين، أو التحقيق مذكور في القراآت السبع. وقرأ قتادة، وابن محيصن، وابن كثير: إنك بغير همزة استفهام، والظاهر أنها مرادة. ويبعد حمله على الخبر المحض، وقد قاله بعضهم لتعارض الاستفهام والخبر إن اتحد القائلون في القول وهو الظاهر، فإن قدر أنّ بعضاً استفهم وبعضاً أخبر، ونسب في كل من القراءتين إلى المجموع قول بعضهم: أمكن، وهو مع ذلك بعيد. وقرأ أبي: أئنك أو أنت يوسف. وخرجه ابن جني على حذف خبر إن وقدره: أئنك لأنت يوسف، أو أنت يوسف. وقدره الزمخشري: أئنك يوسف، أو أنت يوسف، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال: وهذا كلام مستعجب مستغرب لما يسمع، فهو يكرر الاستثبات انتهى. وحكى أبو عمرو الداني في قراءة أبي بن كعب قالوا: أو أنت يوسف؟ وفي قراءة الجمهور: أئنك لأنت، يجوز أن تكون اللام دخلت على أنت، وهو فصل: وخبر إنّ يوسف كما تقول: إنْ كان زيد لهو الفاضل.
ويجوز أن تكون دخلت على أنت وهو مبتدأ، ويوسف خبره، والجملة في موضع خبر إن، ولا يجوز أن يكون أنت توكيداً للضمير الذي هو اسم إن لحيلولة اللام بينهما. ولما استفهموه أجابهم فقال: أنا يوسف كاشفاً لهم أمره، وزادهم في الجواب قوله: وهذا أخي، لأنه سبق قوله: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟ وكان في ذكر أخيه بيان لما سألوا عنه، وإن كان معلوماً عندهم وتوطئة لما ذكر بعد من قوله: قد منَّ الله علينا أي: بالاجتماع بعد الفرقة والأنس بعد الوحشة. ثم ذكر أنّ سبب منِّ الله عليه هو بالتقوى والصبر، والأحسن أن لا تخص التقوى بحالة ولا الصبر. وقال مجاهد: من يتقي في تركه المعصية ويصبر في السجن. وقال النخعي: من يتقي الزنا ويصبر على العزوبة. وقيل: ومن يتق الله ويصبر على المصائب. وقال الزمخشري: من يتق، من يخف الله. وعقابه، ويصبر عن المعاصي، وعلى الطاعات. وقيل: من يتقي معاصي الله، ويصبر على أذى الناس، وهذه كلها تخصيصات بحسب حالة يوسف ونوازله.
وقرأ قنبل: من يتقي، فقيل: هو مجزوم بحذف الياء التي هي لام الكلمة، وهذه الياء إشباع. وقيل: جزمه بحذف الحركة على لغة من يقول: لم يرمي زيد، وقد حكوا ذلك لغة. وقيل: هو مرفوع، ومن موصول بمعنى الذي، وعطف عليه مجزوم وهو: ويصبر، وذلك على التوهم. كأنه توهم أن من شرطية، ويتقي مجزوم. وقيل: ويصبر مرفوع عطفاً على مرفوع، وسكنت الراء لا للجزم، بل لتوالي الحركات، وإن كان ذلك من كلمتين، كما سكنت في يأمركم، ويشعركم، وبعولتهن، أو مسكناً للوقف، وأجرى الوصل مجرى الوقف. والأحسن من هذه الأقوال أن يكون يتقي مجزوماً على لغة، وإن كانت قليلة، ولا يرجع إلى قول أبي علي قال: وهذا مما لا يحمل عليه، لأنه إنما يجيء في الشعر لا في الكلام، لأن غيره من رؤساء النحويين قد نقلوا أنه لغة.
والمحسنين: عام يندرج فيه من تقدم، أو وضع موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين كأنه قيل: لا يضيع أجرهم. وآثرك: فضلك بالملك، أو بالصبر، والعلم قالهما ابن عباس، أو بالحلم والصفح ذكره أبو سليمان الدمشقي، أو بحسن الخلق والخلق، والعلم، والحلم، والإحسان، والملك، والسلطان، وبصبرك على أذاناً قاله: صاحب الغنيان. أو بالتقوى، والصبر وسيرة المحسنين قاله: الزمخشري، وهو مناسب لقوله: {إنه من يتق} الآية وخطابهم إياه بذلك استنزال لإحسانه، واعتراف بما صدر منهم في حقه. وخاطئين: من خطئ إذا تعمد. وأما أخطأ فقصد الصواب ولم يوفق له. ولا تثريب: لا لوم ولا عقوبة. وتثريب اسم لا، وعليكم الخبر، واليوم منصوب بالعامل في الخبر أي: لا تثريب مستقر عليكم اليوم. وقال الزمخشري: (فإن قلت): بم تعلق اليوم؟ (قلت): بالتثريب، أو بالمقدر في عليكم من معنى الاستقرار، أو بيغفر.
والمعنى: لا أثربكم اليوم، وهذا اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام! ثم ابتدأ فقال: يغفر الله لكم، فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم. يقال: غفر الله لك، ويغفر الله لك على لفظ الماضي والمضارع جميعاً، ومنه قول المشمت: يهديكم الله ويصلح بالكم. أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل الغفران، لما تجدد يومئذ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم انتهى. أما قوله: إن اليوم يتعلق بالتثريب، فهذا لا يجوز، لأنّ التثريب مصدر، وقد فصل بينه وبين معموله بقوله: وعليكم. إما أن يكون خبراً، أو صفة لتثريب، ولا يجوز الفصل بينهما، لأنّ معمول المصدر من تمامه. وأيضاً لو كان اليوم متعلقاً بتثريب لم يجز بناؤه، وكان يكون من قبيل المشبه بالمضاف، وهو الذي يسمى المطول، ويسمى الممطول، فكان يكون معرباً منوناً. وأما تقديره الثاني فتقدير حسن، ولذلك وقف على قوله اليوم أكثر القراء. وابتدأوا بيغفر الله لكم على جهة الدعاء، وهو تأويل ابن إسحاق والطبري. وأما تقديره الثالث وهو أن يكون اليوم متعلقاً بيغفر فمقول، وقد وقف بعض القراء على عليكم، وابتدأ اليوم يغفر الله لكم. قال ابن عطية: والوقف على اليوم أرجح في المعنى، لأنّ الآخر فيه حكم على مغفرة الله، اللهم إلا أن يكون ذلك بوحي. وأما قوله: فبشارة إلى آخره، فعلى طريقة المعتزلة، فإنّ الغفران لا يكون إلا لمن تاب. قال ابن الأنباري: إنما أشار إلى ذلك اليوم لأنه أول أوقات العفو، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة. وأجاز الحوفي أن يكون عليكم في موضع الضفة لتثريب، ويكون الخبر اليوم، وهو وجه حسن. وقيل: عليكم بيان كلك في قولهم: سقياً لك، فيتعلق بمحذوف. ونصوا على أنه لا يجوز أن يتعلق عليكم بتثريب، لأنه كان يعرب، فيكون منوناً لأنه يصير من باب المشبه بالمضاف. ولو قيل: إن الخبر محذوف، وعليكم متعلق بمحذوف يدل عليه تثريب، وذلك المحذوف هو العامل في اليوم وتقديره: لا تثريب عليكم اليوم، كما قدروا في {لا عاصم اليوم من أمر الله} أي: يعصم اليوم، لكان وجهاً قوياً، لأنّ خبر لا إذا علم كثر حذفه عند أهل الحجاز، ولم يلفظ به بنو تميم. ولما دعا لهم بالمغفرة أخبر عن الله بالصفة التي هي سبب الغفران، وهو أنه تعالى أرحم الرحماء، فهو يرجو منه قبول دعائه لهم بالمغفرة.
والباء في بقميصي الظاهر أنها للحال أي: مصحوبين أو ملتبسين به. وقيل: للتعدية أي: اذهبوا بقميصي، أي احملوا قميصي. قيل: هو القميص الذي توارثه يوسف وكان في عنقه، وكان من الجنة، أمره جبريل عليه السلام أنْ يرسله إليه فإن فيه ريح الجنة، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي.
وقيل: كان لابراهيم كساه الله إياه من الجنة حين خرج من النار، ثم لإسحاق، ثم ليعقوب، ثم ليوسف. وقيل: هو القميص الذي قدّ من دبر، أرسله ليعلم يعقوب أنه عصم من الفاحشة. والظاهر أنه قميص من ملبوس يوسف بمنزلة قميص كل واحد، قال ذلك: ابن عطية. وهكذا تتبين الغرابة في أنْ وجد يعقوب ريحه من بعد، ولو كان من قمص الجنة ما كان في ذلك غرابة ولوجده كل أحد. وقوله: فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً، يدل على أنه علم أنه عمى من الحزن، إما بإعلامهم، وإما بوحي. وقوله: يأت بصيراً، يظهر أنه بوحي. وأهلوه الذين أمر بأن يؤتي بهم سبعون، أو ثمانون، أو ثلاثة وتسعون، أو ستة وتسعون، أقوال أولها للكلبي وثالثها المسروق. وفي واحد من هذا العدد حلوا بمصر ونموا حتى خرج من ذريتهم مع موسى عليه السلام ستمائة ألف. ومعنى: يأت، يأتيني، وانتصب بصيراً على الحال.